فصل: القسم الثاني من فضل الوزير ابن الخطيب.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.القسم الثاني من فضل الوزير ابن الخطيب.

ثم تأهبنا لغزو أم القرى الكافرة وخزائن المزاين الوافرة وربة الشهرة السافرة والأنباء المسافرة قرطبة وما أدراك ماهية! ذات الأرجاء الحالية الكاسية والأطواد الراسخة الراسية والمباني المباهية والزهراء الزاهية والمحاسن غير المتناهية حيث هالة بدر السماء قد استدارت من السور المشيد البناء دارا ونهر المجرة من نهرها الفياض المسلول حسامه من غمود الغياض قد لصق بها جارا وفلك الدولاب المعتدل الانقلاب قد استقام مدارا ورجع الحنين اشتياقا إلى الحبيب الأول وادكارا حيث الطود كالتاج يزدان بلجين العذب المجاج فيزري بتاج كسرى ودارا حيث قسي الجسور المديدة كأنها عوج المطي العديدة تعبر النهر قطارا حيث آثار العامري المجاهد تعبق بين تلك المعاهد شذي معطارا حيث كرائم السحائب تزور عرائس الرياض الحبائب فتحمل لها من الدر نثارا حيث شمول الشمال تدار على الأدواح بالغدو والرواح فترى الغصون سكارى وما هي بسكارى حيث أيدي الافتتاح تفتض من شقائق البطاح أبكارا حيث ثغور الأقاح الباسم تقبلها بالسحر زوار النواسم فتخفق قلوب النجوم الغيارى حيث المصلى العتيق قد رحب مجالا وطال منارا وأزرى ببلاط الوليد احتقارا حيث الظهور المثارة بسلاح الفلاح تجب عن مثل أسنمة المهارى والبطون كأنها لتدميث الغمائم بطون العذارى والأدواح العالية تخترق أعلامها الهادية بالجداول الحيارى فما شئت من جو بقيل ومعرس للحسن ومقيل ومالك للعقل وعقيل وخمائل كم فيها للبلابل من قال وقيل وخفيف يجاور بثقيل وسنابل تكي من فوق سوقها وقصب بسوقها الهمزات على الألفات والعصافير البديعة الصفات فوق القضب المؤتلفات تميل لهبوب الصبا والجنوب مالئة الجيوب بدر الحبوب وبطاح لا تعرف عين المحل فتطلبه بالذحل ولا تصرف في خدمة بيض قباب الأزهار عند افتتاح السوسن والبهار غير العبدان من سودان النحل وبحر الفلاحة الذي لا يدرك ساحله ولا يبلغ الطية البعيدة راحله إلى الوادي وسمر النوادي وقرار دموع الغوادي للتجاسر على تخطيه عند تمطيه الجسر العادي والوطن الذي ليس من عمرو ولا زيد والفرا الذي في جوفه كل صيد أقل كرسيه خلافة الإسلام وأغار بالرصافة والجسر دار السلام وما عسى أن تطنب في وصفه ألسنة الأقلام أو تعبر به عن ذلك الكمال فنون الكلام.
فأعملنا الله إليها السرى والسير وقدنا إليها الخيل قد عقد الله في نواصيها الخير ولما وقفنا بظاهرها المبهت المعجب واصطففنا بخارجها المنبت المنجب والقلوب تلتمس الإعانة من منعم مجزل وتستتزل مدد الملائكة من منجد منزل والركائب واقفة من خلفنا بمعزل تتناشد في معاهد الإسلام:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

برز من حاميتها المحاميه ووقود النار الحاميه وبقية السيف الوافرة على الحصاد النامية قطع الغمائم الهامية وأمواج البحور الطامية واستجنت بظلال أبطال المجال أعداد الرجال الناشبة والرامية وتصدى للنزال من صناديدها الصهب السبال أمثال الهضاب الراسية تجنها جنن السوابغ الكاسية وقواميسها المفادية للصلبان يوم بوسها بنفوسها المواسية وخنازيرها التي عدتها عن قبول حجج الله ورسوله ستور الظلم الغاشية وصخور القلوب القاسية فكان بين الفريقين أمام جسرها الذي فرق البحر وحلى بلجينه ولآليء زبنه منها النحر حرب لم تنسج الأزمان على منوالها ولا أتت الأيام الحبالي بمثل أجنة أهوالها من قاسها بالفجار أفك وفجر أو مثلها بجفر الهباءة خرف وهجر ومن شبهها بحرب داحس والغبراء فما عرف الخبر فليسأل من جرب وخبر ومن نظرها بيوم شعب جبلة فهو ذو بله أو عادلها ببطن عاقل فغير عاقل أو احتج بيوم ذي قار فهو إلى المعرفة ذو إفتقار أو ناضل بيوم الكديد فسهمه غير السديد إنما كان مقاما غير معتاد ومرعى نفوس لم يف بوصفه لسان مرتاد وزلزال جبال اوتاد ومتلف مذخور لسلطان الشيطان وعتاد أعلم فيه البطل الباسل وتورد الأبيض الباتر وتأود الأسمر العاسل ودوم الجلمد المتكاسل وانبعث من حدب الحنية إلى هدف الرمية الناشر الناسل ورويت لمرسلات السهام المراسل ثم أفضى أمر الرماح إلى التشاجر والارتباك ونشبت الأسنة في الدروع نشب السمك في الشباك ثم اختلط المرعي بالهمل وعزل الرديني عن العمل وعادت السيوف من فوق المفارق تيجانا بعد أن شقت غدر السوابغ خلجانا واتحدت جداول الدروع فصارت بحرا وكان التعانق فلا ترى إلا نحرا يلازم نحرا عناق وداع وموقف شمل ذي انصداع وإجابة مناد إلى فراق الأيد وداع واستكشفت مآل الصبر الأنفس الشفاقة وهبت بريح النصر الطلائع المبشرة الهفافة ثم أمد السيل ذلك العباب وصقل الاستبصار الألباب واستخلص العزم صفوة اللباب وقال لسان النصر ادخلو عليهم الباب فأصبحت طوائف الكفار حصائد مناجل الشفار فمغافرهم قد رضيت حرماتها بالإخفار ورؤوسهم محطوطة في غير مقام الاستغفار وعلت الرايات من فوق تلك الأبراج المستطرقة والأسوار ورفرف على المدينة جناح البوار لولا الانتهاء إلى الحد والمقدار والوقوف عند اختفاء سر الأقدار.
ثم عبرنا نهرها وشددنا بأيدي الله قهرها وضيقنا حصرها وأدرنا بلآليء القباب البيض خصرها وأقمنا بها أياما تحوم عقبان البنود على فريستها حياما وترمي الأدواح ببورها وتسلط النيران على أقطارها فلولا عائق المطر لحصلنا من فتح ذلك الوطن على الوطر فرأينا أن نروضها بالاجتثاث والانتساف ونوالي على زروعها وربوعها كرات رياح الاعتساف حتى يتهيأ للاسلام لوك طعمتها ويتهنا بفضل الله إرث نعمتها ثم كانت من موقفها الإفاضة من بعد نحر النحور وقذف جمار الدمار على العدو المدحور وتدافعت خلفنا السيقات المتسقات تدافع أمواج البحور.
وبعد أن ألححنا على جناتها المصحرة وكرومها المستبحرة إلحاح الغريم وعوضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم وطاف عليها طائف من ربنا فأصبحت كالصريم وأغرينا حلاق النار بجمم الجميم وراكمنا في أحواف أجرافها غمائم الدخان يذكر طيبه البان بيوم الغميم وأرسلنا رياح الغارات لا تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم واستقبلنا الوادي يهول مدا ويروع سيفه الصقيل حدا فيسره الله من بعد الأعواز وانطلقت على الفرصة بتلك الفرضة أيدي الانتهاز وسألنا من سائله أسد بن الفرات فأفتى برجحان الجواز فعم الاكتساح والاستباح جميع الأحواز فأديل المصون وانتهبت القرى وهدت الحصون واجتثت الأصول وحطمت الغصون ولم نرفع عنها إلى اليوم غارة تصابحها بالبوس وتطلع عليها غررها الضاحكة باليوم العبوس فهي الآن مجرى السوابق ومجر العوالي على التوالي والحسرات تتجدد في أطلالها البوالي وكأن بها قد ضرعت وإلى الدعوة المحمدية أسرعت بقدرة من لو انزل القرآن على الجبال لخشعت من خشية الله وتصدعت وعزة من أذعنت الجبابرة لعزه وخضت وعدنا والبنود لا يعرف اللف نشرها والوجوه المجاهدة لا يخالط التقطيب بشرها والأيدي بالعروة الوثقى متعلقة والألسن بشكر نعم الله منطلقة والسيوف في مضاجع الغمود قلقه وسرابيل الدروع خلقه والجياد من ردها إلى المرابط والأواري رد العواري حنيقة وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقة تنظر إلينا نظر العاتب وتعود من ميادين الاختيال والمراح تحت حلل السلاح عود الصبيان إلى المكاتب والطبل بلسان العز هادر والعزم إلى منادي العود الحميد مبادر ووجود نوع الرماح من بعد ذلك الكفاح نادر والقاسم يرتب بين يديه من السبي النوادر ووارد مناهل الأجور غير المحلاء ولا المهجور غير صادر ومناظر الفصل الآتي عقب أخيه الشاتي على المطلوب المواتي مصادر والله على تيسير الصعاب وتخويل المنن الرغاب قادر لا إله إلا هو فما أجمل لنا صنعه الحفي وأكرم بنا لطفه الخفي اللهم لا نحصي ثناء عليك ولا نلجأ منك إلا إليك ولا نلتمس خير الدنيا والآخرة إلا لديك فأعد علينا عوائد نصرك يا مبدىء يا معيد وأعنا من وسائل شكرك على ما ينثال به المزيد يا حي يا قيوم يا فعال لما يريد.
وقارنت رسالتكم الميمونة لدينا حذق فتح بعيد صيته مشرئب ليته وفخر من فوق النجوم العواتم مبيته عجبنا من تأتي أمله الشارد وقلنا: البركة في قدم الوارد وهو أن ملك النصارى لاطفنا بجملة من الحصون كانت من مملكة الإسلام قد غصبت والتماثيل فيها ببيوت الله قد نصبت أدالها الله بمحاولتنا الطيب من الخبيث والتوحيد من التثليث وعاد إليه الإسلام عود الأب الغائب إلى البنات الحبائب يسأل عن شؤونها ويمسح دموع الرقة من جفونها وهي للروم خطة خسف قلما ارتكبوها فيما نعلم من العهود ونادرة من نوادر الوجود وإلى الله علينا وعليكم عوارف الجود وجعلنا في محاريب الشكر من الركع السجود.
عرفناكم بمجملات أمور تحتها تفسير ويمن من الله وتيسير إذ استيفاء الجزئيات عسير لنسركم بما منح الله دينكم ونتوج بعز الملة الحنيفية جبينكم ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم فإن دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب سلاح ماض وكفيل بالمواهب المسئولة من المنعم الوهاب متقاض أولى من ساهم في بر وعامل الله بخلوص سر وأين يذهب الفضل عن بيتكم وهو صفة حيكم وتراث ميتكم ولكم مزية القدم ورسوخ القدم والخلافة مقرها إيوانكلم وأصحاب الإمام مالك رضي الله عنه مستقرها قيروانكم وهجير المنابر ذكر إمامكم والتوحيد إعلامكم والوقائع الشهيرة في الكفر منسوبة إلى أيامكم والصحابة الكرام فتحة أوطانكم وسلالة الفاروق عليه السلام وشائج سلطانكم ونحن نستكثر من بركة خطابكم ووصلة جنابكم ولولا الأعذار لوالينا بالمتزيدات تعريف أبوابكم والله عز وجل يتولى عنا من شكركم المحتوم ما قصر المكتوب منه عن المكتوم ويبقيكم لإقامة الرسوم ويحل محبتكم من القلوب محل الأرواح من الجسوم وهو سبحانه يصل سعدكم ويحرس مجدكم ويوالي نعمه عندكم.
والسلام الكريم الطيب الزكي المبارك البر العميم يخصكم كثيرا أثيرا ما أطلع الصبح وجها منيرا بعد أن أرسل النسيم سفيرا وكان الوميض الباسم لأكواس الغمائم على أزهار الكمائم مديرا ورحمة الله وبركاته.
وكتب إلي يهنئني بمولود ويعاتب على تأخير الخبر بولاده عنه:
هنيئا أبا الفضل الرضا وأبا زيد ** وأمنت من بغي يخاف ومن كيد

بطالع يمن طال في السعد شأوه ** فما هو من عمره الرجال ولا زيد

وقيد بشكر الله أنعمه التي ** أوابدها تأبى سوى الشكر من قيد

أهلا بدري المكاتب وصدري المراتب وعتبى الزمن العاتب وبكر المشتري والكاتب ومرحبا بالطالع في أسعد المطالع والثاقب في أجلى المراقب وسهلا بغني البشير وعزة الأهل والعشير وتاج الفخر الذي يقصر عنه كسرى وأردشير الآن اعتضدت الحلة الحضرمية بالفارس وأمن السارح في حمى الحارس وسعدت بالمنير الكبير أفلاك التدوير من حلقات المدارس وقرت بالجنى الكريم عين الغارس واحتقرت أنظار الآبلي وأبحاث ابن الدارس وقيل للمشكلات: طالما ألفت الخمرة وأمضيت على الأذهان الامرة فتأهبي للغارة المبيحة لحماك وتحيزي إلى فئة البطل المستأثر برشف لماك ولله من نصبة احتفى فها المشترى واحتفل وكفى سني تربيتها وكفل واختال عطارد في حلل الجذل لها ورفل واتضحت الحدود وتهللت الوجوه وتنافست المثلثات تؤمل الحظ وترجوه ونبه البيت على واجبه وأشار لحظ الشرف بحاجبه وأسرع نير النوبة في الأوبة قائما في الاعتذار مقام التوبة واستأثر بالبروج المولدة بيت البنين وتخطت خطا القمر رأس الجو زهر وذنب التنين وساوق منها حكم الأصل حذوك النعل بالنعل تحويل السنين وحقق هذا المولود بين المواليد نسبة عمر الوالد فتجاوز درجة المئين واقترن بعاشره السعدان اقتران الجسد وثبت بدقيقة مركزه قلب الأسد وسرق من بيت أعدائه خرثي الغل والحسد ونظفت طرق التسيير كما نفعل بين يدي السادة عند المسير وسقط الشيخ الهرم من الدرج في البير ودفع المقاتل إلى الوبال الكبير:
لم لا ينال العلا أو يعقد التاج ** والمشتري طالع والشمس هيلاج

والسعد يركض في ميدانها مرحا ** جذلان والفلك الدوار هملاج

كأن به والله يهديه قد انتقل من مهد التنويم إلى النهج القويم ومن أريكة الذراع إلى تصريف اليراع ومن كتد الداية إلى مقام الهداية والغاية المختطقة البداية جعل الله وقايته عليه عوذة وقسم حسدته قسمة محرم اللحم بين منخنقة ونطيحة ومتردية وموقوذة وحفظ هلاله في البدار إلى تمه وبعد تمه وأقر به عين أبيه وأمه غير أني والله يغفر لسيدي بيد أني راكع في سبيل الشكر وساجد فأنا عاتب وواجد إذ كان ظني أن البريد بهذا الخبر إلي يعمل وأن إتحافي به لا يهمل فانعكست القضية ورابت الحال المرضية وفضلت الأمور الذاتية الأمور العرضية والحكم جازم وأحد الفرضين لازم إما عدم السوية ويعارضه اعتناء حبله مغار وعهده سلم لم يدخلها جزية ولا صغار أو جهل بمقدار الهبة ويعارضه علم بمقدار الحقوق ورضى مناف للعقوق فوقع الأشكال وربما لطف عذر كان عليه الاتكال وإذا لم يبشر مثلي بمنحة الله قبل تلك الذات السرية الخليقة بالنعم الحرية فمن الذي يبشر وعلى من يعرض بزها أو ينشر وهي التي واصلت التفقد وبهرجت المعاملة وأبت أن تنقد وأنست الغربة وجرحها غير مندمل ونفست الكربة وجنحها على الجوانح مشتمل فمتى فرض نسيان الحقوق لم ينلني فرض ولاشهد به علي سماء ولا أرض وإن قصر فيما يجب لسيدي عمل لم يقصر رجاء ولا أمل ولي في شرح حمده ناقة وجمل ومنه جل وعلا نسأل أن يريه قرة العين في نفسه وماله وبنيه ويجعل أكبر عطايا الهيالج أصغر سنيه ويقلد عواتق الكواكب البابانية حمائل أمانيه وإن تشوف سيدي لحال وليه فخلوة طيبة ورحمة من جانب الله صيبة وبرق يشام فيقال: حدث ما وراءك ياهشام ولله در شيخنا إذ يقول:
لا بارك الله في إن لم ** أصرف النفس في الأهم

وكثر الله في همومي ** إن كان غير الخلاص همي

وإن أنعم سيدي بالإلماع بحاله وحال الولد المبارك فذلك من غرر إحسانه ومنزلته في لحظ لحظبي بمنزلة إنسانه والسلام.